دولة العليمي:الشمال خارج المعادلة

img

دولة العليمي:الشمال خارج المعادلة


جلال سالم

بقلم: جلال سالم


نحو 4 أشهر منذ تسلم مجلس القيادة الرئاسي برئاسة اللواء رشاد العليمي، قيادة اليمن على إثر مشاورات الرياض والاعلان الرئاسي في 7 أبريل 2022، بدأت تتضح خلالها الطريق التي تسير إليها البلاد، التي أخضعتها جماعة الحوثي للانقلاب والاستيلاء على العاصمة صنعاء وأغلب محافظات الشمال، واستمرت في حربها ضد الشرعية وقواها السياسية والاجتماعية من ذلك الوقت. 

 

لكن القرارات الأخيرة الصادة عن المجلس الرئاسي، تكشف عن توجهات غير مبشرة بالنسبة لليمنيين الذين ما زالوا يؤملون في إسقاط الانقلاب الحوثي وعودة الدولة. 

 

خلال الأسابيع القليلة الأخيرة صدرت عدة قرارات أثارت جدلا واسعاً، تكاد تخلو من أي قيادات تنتمي للشمال، وآخرها قرارات مجلس القضاء الاعلى والمحكمة العليا، واقتصرت في معظمها على مناطق الجنوب وتحديدًا ما يعرف بالمثلث، والتي تكاد تسيطر على مفاصل الدولة المهمة، هذا الامر شمل التغييرات في الحكومة والادارة المحلية والجيش والأمن، وكذا القضاء الذي وقع أو يكاد ضحية هذا المنظور غير الوطني والذي سوف يؤجج الخلافات داخل جبهة الشرعية، ومما هو ملفت ويدعو للغرابة ان المواقع التي يستثنى منها الشمال تشكّل حجر الزاوية في معركة استرداد الدولة واسقاط الانقلاب الحوثي، ومع ذلك يتم الدفع بها لشخصيات لا تهتم كثيرًا لأمر المعركة ولا تعتبرها أولوية قصوى في المرحلة القادمة. 

 

 يبدو الواقع الذي يحيط بالرئيس العليمي يشبه واقع الرئيس عبدربه حين كان محاطًا بالحوثيين في صنعاء بعد سيطرتهم عليها، وهو الامر الذي يفسر بعض ما يغفله الرجل، الا أن هذه الفرضية على وجاهتها لا تصمد أمام تعامله مع محافظة تعز المحاصرة من قبل الحوثي ومن سلطة رئيس لا يرى فيها الا البركاني الذي يجب إبعاده عن تعز، وطارق صالح الذي يرى أنه يجب تقليص تأثيره عليها، عدا ذلك فان ما تتحصل عليه المحافظة الاكثر سكانا مقارنة بمدن اقل منها ازدحاما يعد زهيداً ولا يكاد يذكر.

 ‏ 

في المقابل فإن القيادات الجنوبية التي تصدرت وفق قرارات العليمي، لا يأتي اسقاط الانقلاب الحوثي على رأس أولوياتها، ولا ترى أن من مصلحتها استعادة الدولة الوطنية، إن لم يكن بعض منهم يرى في بقاء المشروع الحوثي فرصة ومكسبا لأهدافه الصغيرة وتفكيره الضيق.


ولسنا هنا ضد الجنوب كجغرافيا ولا ضد الانتقالي كمكون ضمن الشراكة، ولكن قراءة المعطيات بموضوعية مما يفترض ان يحدث الان حتى لا تتكرر نفس المآلات السابقة، التي أعاقت معركة الخلاص، وحتى لا نجد انفسنا في الوجه الاخر للسلطة السابقة وتعاملها جنوبا، وشمالا. 

 

على أن ما هو ملاحظ أن سلسلة الاستبعاد التي تمت منذ عودة الرئيس العليمي الى عدن كان معظمها من نصيب الشخصيات التي لها موقف واضح وجاد من الحوثي وخاضت ضده معارك ومواجهات عسكرية فيما الشخصيات التي لم تقم بذلك يتم التعامل معها بحفاوة لاسيما الذين يملكون خطوط اتصال مع جماعة الحوثي؛ هذه هي الحالات التي يكسر فيها العليمي المناطقية ويتعامل بأفق وطني؛ حتى انه ليكاد القرب من الحوثي أو عدم مواجهته وسام يفضي بك الى المنصب المهم دون كثير عناء. 

 

قيادات شمالية وازنة بدأت تتبرم من هذه القرارات وتعتبرها محاولة من العليمي على سحب تدريجي لفتيل معركة استعادة الدولة، عبر محاولات تسليم الشمال للحوثي، بمبررات سلامية واهية يدرك الجميع أن الحوثي لن يرضى بها. 

 

وتشير مصادر إلى أن العليمي يتجه نحو تحجيم حزب الإصلاح واستمرار إبعاد طارق صالح، اللذان يشكلان اليوم جناحين قويين في مواجهة الحوثي، فيما تفيد أخرى بأن الرئيس العليمي يعمل على تعيين من يجاهر بانفصاليته، فيما يتجنب ويعمل على إبطال أي تعيين لكل من يجاهر بوحدويته، أو أي شخصية قوية في المواجهة الشاملة مع المليشيات الانقلابية، ولعل تعامله مع حادثة معاشيق بعيد الوحدة واستفزاز عناصر غوغاء لعضو مجلس القيادة العميد طارق صالح من أوضح الادلة على هذا الخيار.

 

ولعل أبرز ملامح هذا التوجه لدى الرئيس العليمي هو الابتعاد عن كل من ينتمي للمحافظات الشمالية، مهما كانت مساهمته في مواجهة الحوثي، واعتبار جغرافيا "الهضبة" محسومة للحوثي! 

 

ويعيد البعض إصرار العليمي على إقصاء طارق صالح وجماعته إلى حالة الخصومة مع أسرة الرئيس السابق صالح، الذي هاجم العليمي بصورة عدائية في سنوات الانقلاب الأولى، في حين يأتي إقصاء حزب الإصلاح فيما يشبه التوجس من الحزب الذي ظل بكل طاقته رأس الحربة في مواجهة الحوثي، ويبدو أن الاصلاح وطارق قد بدءا في التقارب الفعلي، والتوحد في معركه اسقاط الحوثي، من خلال توافق تعز. 

   

وكالآخرين، فإن المناطقية تمثل تحدياً كبيرًا للرئيس العليمي بنفس مستوى سهولة استخدامها من قبل رجل لديه تحيز موروث معزز بايدلوجية تموضعت خارج الهضبة التي تحملها كل آثام التاريخ القريب لليمن؛ كيف سيتعامل الرئيس مع هذا الارث خاصة بوجود أسرة نافذة وذات تأثير وتنتمي للجغرافيا الخصم وغير المرضي عنها؛ وإلى أي مدى سيتمكن من التجاوز وبوجود شخصيات حزبية مقربة منها لها تحمل نفس القناعات ولا تفتا تتحدث عن الهضبة والمركز المقدس وفي سياق انتقامي وثأري من أسرة رجل انقلب على الاحلام أواخر سبعينات القرن الفائت. 

 

وحسب المصادر فإن هذه القيادات الغاضبة تذهب إلى أبعد من ذلك، حيث كشفت أن مواقف الرئيس العليمي باتت منسجمة مع شخصيات شمالية تهادن مليشيا الحوثي، مدللين على ذلك بعدد من القرارات والإجراءات، وآخرها توجيه العليمي بصرف رواتب ثلاثة نواب يتبعون برلمان الانقلاب الحوثي، بل إن بعضهم يمثلون الأذرع الناعمة للمشروع الإمامي، وهم أحمد الكحلاني، وصادق باشا، وصهيب خالد الصوفي.


وحسب المصادر فإن قيادات مؤتمرية باتت تتهم العليمي بالعمل على تمزيق المؤتمر، ويسعى حاليًا إلى إزاحة الشيخ سلطان البركاني من رئاسة البرلمان كمؤسسة دستورية، بدعوى أن من يتصدرون الرئاسة والبرلمان والحكومة جميعهم من تعز. 

 

وحتى داخل المؤتمر فإن العليمي بات يؤمم وجهه باتجاه القيادات الجنوبية ويقربها منه، مقابل إبعاد القيادات المؤتمرية الشمالية الجادة في حسم المعركة واستعادة الدولة، وتشير المصادر إلى أن العليمي يعمل على تقريب القيادي الجنوبي أحمد العيسي ومنحه صلاحيات كبيرة على حساب قيادات كبيرة ولها مواقفها المناهضة بقوة للمشروع الإمامي لكنها شمالية.